مستقبل سوريا الغامض- صراع القوى وتحديات ما بعد الأسد

المؤلف: عبده خال10.30.2025
مستقبل سوريا الغامض- صراع القوى وتحديات ما بعد الأسد

من المحال قطف العنب من نبتة شوك. هذه الاستحالة المتجسدة في هذا المثل الشعبي تعني استخلاص الحياة من رماد الموت، وسقوط النظام السوري الآيل للسقوط يمثل الشوك، فمن أين إذن سيأتي العنب الحلو؟

لقد وصل نضال إسقاط نظام الأسد إلى نهايته، ليفتح الباب على مصراعيه أمام جهود مضنية لبناء دولة سورية متعثرة، وصلت إلى مراحل متقدمة من الفشل الذريع.

فمن ذا الذي سيجرؤ على البدء في عملية البناء الشاقة في ظل التنافس الشرس من قبل دول عديدة تتنازع المصالح، تمثل في جوهرها مجموعة من اللاعبين المتواجدين داخل الساحة السورية، حيث تتباين قوى وأدوار كل لاعب وطموحاته على هذه الأرض، وإن بدت ملامح كل لاعب واستراتيجيته، وأهدافه الخفية والعلنية.

ويمكن تعداد بعض اللاعبين ذوي النفوذ، كتركيا، وإسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وعلى الرغم من تراجع الدور الإيراني في الآونة الأخيرة، إلا أنه من غير الوارد أن يظل لاعباً احتياطياً على مقاعد البدلاء، أما اللاعب الأبرز التابع للرئيس السوري فهو منظومة "هيئة تحرير الشام" التي أدرجتها الأمم المتحدة على قائمة الجماعات الإرهابية المحظورة، فأي صورة قاتمة سيتم تسليط الضوء عليها للنظام السوري القادم؟

تتخالجنا مخاوف جمة من تكرار سيناريو سقوط نظام صدام حسين، وما أعقبه من فوضى عارمة، واضطرابات مزمنة، واستمرار للحروب الطاحنة بين الأطراف المتصارعة التي شاركت في إسقاطه، وهي صورة مأساوية نأمل ألا تتكرر في سوريا، ولكن بين هذه التطلعات الوردية يطل علينا الواقع المرير لما بعد سقوط النظام، فهل ستنصّب جماعة "تحرير الشام" نفسها صانعة للسياسة السورية ومقررة لمصيرها، وماذا لو أعادت إنتاج صورة قاتمة لحكم "طالبان" المتطرف؟ إن فعلت ذلك، فسوف تتداعى قوى عالمية جديدة لمحاربة هذا الحكم الرجعي المتخلف والمستبد، لتتسع رقعة "الملعب السوري" وتزداد تعقيداً، وإذا لم يحدث ذلك، فستظل قضايا تركيا في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على سبيل المثال، منذرًاً بحرب وشيكة، كما ستظل أطماع إسرائيل في التوسع الاستيطاني واحتلال المزيد من الأراضي السورية قائمة، وماذا عن الولايات المتحدة الأمريكية التي لن تندفع عبثاً إلى هذه المنطقة المضطربة، وماذا عن روسيا التي لن تقف مكتوفة الأيدي بعد أن رسخت موطئ قدم لها في المنطقة، وماذا عن إيران التي فقدت الكثير من أذرعها وأدواتها في المنطقة؟ إن التحضير للانتقال السلس من نظام الأسد إلى مستقبل سوريا سيكون بلا شك محفوفاً بالمخاطر الجسيمة والتحديات الهائلة، فثمة فراغات واسعة تمكن إحدى القوى المتواجدة من اقتناص الفرصة وحمل الراية والركض لفرض رؤيتها الخاصة لمستقبل سوريا، وأكرر أن الخشية العميقة تكمن في أن تجد "داعش" في هذا الفراغ الهائل فرصة سانحة لتولي زمام الأمور وقيادة مستقبل سوريا نحو المجهول.

نعم، لقد سقط نظام الأسد بكل جبروته، إلا أن المستقبل يكتنفه الغموض في ظل القوى المتناحرة والطامعة في اقتسام "كعكة" ضخمة، حيث يسعى كل طرف إلى الفوز بأكبر حصة ممكنة من هذه الدولة المنهارة، السيناريوهات المتوقعة لا حصر لها، ويظل الأمل معقوداً على أن نستعيد سوريا كدولة عربية قوية ذات سيادة، تسعى جاهدة إلى بناء نفسها بنفسها، وهذا الأمل المنشود مرهون بما تخطط له كل دولة فاعلة داخل "الملعب السوري"، وإذا فقدنا الأمل والتفاؤل، فستكون أيامنا القادمة سلسلة متصلة من عدم الاستقرار والترقب الحذر.

وسيصبح العنب ذابلاً وضامراً بين أغصان الشوك المتشابكة والملتفّة حول سوريا الجريحة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة